Friday, February 24, 2006

Ainsi parla le 14 février, par Abbas Beydoun


هكذا تكلم 14 شباط
عباس بيضون

تلقى قادة 14 آذار من جماهير 14 شباط رسالة وحيدة وتكليفاً اوحد "ازيلوا اميل لحود". هذا ما فهمه سمير جعجع ومن الصعب أن نعرف لماذا فهم هذا وحده ولم يفهم شيئاً آخر.

هكذا تكلمت جماهير 14 شباط، والرسالة المليونية بالطبع أمر كبير صدع له فوراً قادة 14 آذار. لقد غدا الأمر رقم واحد وفي سبيله يمكن تعليق أي أمر آخر. هكذا كان، وهكذا صرح سمير جعجع من مقره في الأرز. يمكن تعليق الحكم والوزارة وكل شيء في انتظار الخلاص، وجع ساعة ولا كل ساعة قال. التكليف الجماهيري بدل التكليف الشرعي، الذي اقضّ في يوم مضجع الجنرال عون، تكليف من تحت لكن المبدأ واحد، في الحالين يعود كل شيء إلى الوسيط الملهم الذي له وحده حق التأويل والفرادة والتكليف بالتالي، إذا لم يكن سمير جعجع هذا الوسيط فإنه تكلم هكذا. لا اعرف ماذا قالت جماهير 14 شباط لكني اخشى أن يكون قادة 14 اذار سمعوا أنفسهم، وقولوا الجماهير ما قالوه هم لها. لا نعرف ماذا كانت الجماهير ستقول لو كان لها فم واحد، لكن ليس للجماهير هذا الفم ومن المؤكد أنها لو تكلمت فلن يكون قولها واحداً. القول الواحد لتظاهرات لها مشية واحدة ونظام واحد وتعليم واحد وليس هذا حال تظاهرة 14 شباط. كان من سماتها أن الناس جاؤوا إليها بدوافع شتى، وتصرفوا كما لو كانوا في نزهة، ولم يجمعهم نظام واحد مرصوص ولا يافطة واحدة، وقلنا ان هذا ديموقراطي وهذا مديني وهذا حضاري.

لو تكلمت جماهير 14 شباط لما كان قولها واحداً، لكن لا شيء يؤكد أنها كانت ستوصي بتعليق الحكم حتى الخلاص من اميل لحود. ذلك أن الذي سمع ذلك كان يسمع نفسه التي تطلب ذريعة لكي لا تحكم، او سبباً لأنها لا تحكم. لو تكلمت جماهير 14 آذار لكنا سمعناها، تطلب من حكومة 14 آذار ان تحكم وأن لا تفتش عن سبب آخر لكي لا تحكم ولكي تعلق الحكم. لكنا سمعناها تطلب من حكومة 14 آذار ان تفعل بدلاً من أن تشكو الى مجهول وتطلب من مجهول. لكنا سمعناها تكلف حكومة 14 آذار وقادتها ان يفعلوا شيئاً لوقف دفق السلاح ما زالوا يشكون، الى من لا نعلم، دفق السلاح. لكنا سمعناها تكلف حكومة 14 آذار بأن تفعل شيئاً حيال وجود قواعد اجنبية مسلحة على أرض لبنانية، شيئاً أكثر من الشكوى لمجهول والطلب من مجهول، ما دامت الحكومة نفسها فتحت هذا الباب. لكنا سمعنا جماهير 14 شباط تكلف قيادة 14 آذار بنشر الجيش بدلاً من الكلام عن جزر أمنية. لكنها سمعناها تسأل الحكومة عما فعلت من أجل ترسيم الحدود ما دامت هي التي حركت المسألة. لكنا سمعنا جماهير 14 آذار تسأل عما بلغه التحقيق في بنك المدينة وعن التحقيق في المليارات المهدورة الاخرى. لكنا سمعنا جماهير 14 آذار تطلب كلاماً شفافاً وصريحاً عن حادثة الاشرفية، شفافاً وصريحاً لا يغلق جرحاً على زغل، ولا يموه وقائع، ولا يشفق على اللبنانيين من حقائقهم. لكنا سمعنا جماهير 14 شباط تسأل عن مسؤولية وزارة الداخلية إذا كانت عليها مسؤولية، وتسأل عن تحقيق فعلي شفاف وعن جلسة استماع برلمانية حول الحادث.

لو تكلمت جماهير 14 شباط لقالت انها لا تكلف الحكومة في ذلك جديدا لكنها تريد ان تفي بما كلفت به نفسها. إنها أقوالها على نفسها ومن فمها ندينها، من فمها نطلب منها ان تلتزم بما اعتبرته واجباتها الملحة والآنية. لو تكلمت لقالت انها تريد من الحكومة ان تحكم لا ان تعلق الحكم.

لا أحد يحب اميل لحود بالطبع. يشفي كثيرين ان يزول عن الرئاسة، في هذا عدالة اكيدة. لكن الرجل الذي اتى بقرار خارجي باق اليوم بتوازنات داخلية، هذا بالتأكيد ثمن الشقاق مع ميشال عون الذي تتحمل قوى 14 آذار مسؤولية كبيرة فيه، ثم انه ثمن التحالفات العشوائية التي نصيب قيادات 14 آذار فيها ليس قليلاً. بعد عام على 14 شباط نفهم الآن ان إزالة اميل لحود وقيام تحالف استقلالي تجسد في تظاهرة 14 آذار، لم يكونا هدفاً حقيقياً. لو كانا لاستلزم الأمر سياسات اخرى وممارسة اخرى. أما الممارسة الانتخابية فأثبتت على الأرض ان ما طبّق كان بلا سياسة وبلا أفق استقلالي وبلا هوية من أي نوع.

كانت هذه بدون شك سياسة بلا مخيلة او استشراف او فكرة مستقبلية. انها السياسة التقليدية بحرفيتها، بل هي السياسة التقليدية وعليها وصمة الانتداب وألبون الزمني. تلت ذلك فترة حكم لم تكن فيها قوى 14 آذار الحاكمة في المعارضة ولا السلطة. حكمت كما جاءت. جاءت من الحسابات التقليدية ووقعت في أسر التوازنات التقليدية التي صانتها، بدون اي مبادرة تكسر وتؤسس لممارسة مختلفة. لم تكن ضاعت تماماً هذه الفرصة، كان بإمكان مبادرة اقتحامية وشجاعة ان تؤسس، او تثير على الأقل حافزاً، او تشكل حرجاً، لكنها لم تكن جاهزة لذلك. لقد بقيت على الحدود، ولم تعالج اي مسألة طرحتها. هكذا بقي النقاش حول نقطة البدء وأمكن للآخرين محاصرتها في هذه النقطة.

الآن هي الصحوة لكنها الاخرى غير مؤسسة على شيء ولا تقوم على إنجاز او تراكم واضحين. أنها الصحوة لكن دائماً على الحدود وفي نقطة البدء. لقد فوضتها جماهير 14 شباط، انها الديموقراطية المباشرة. لقد شاء الشعب فلتكن ارادته. قالها في استفتاء مليوني فلماذا السؤال عن الحكم والمؤسسات والآليات والحلفاء ما دام تفويضا على بياض. كان في الظن ان تفاهما مسبقاً مع البطريرك والعماد عون، فإذا بنا نفهم من العماد عون ان الاعلان تم بدون استشارته، ونفهم من البطريرك انه لا يمانع بالأسلوب القانوني الذي لا يتحقق عملياً إلا بالتفاهم مع العماد عون (مع حزب الله هناك ثمن آخر). مع ذلك طمأن سمير جعجع اللبنانيين بأن الخلاص آت قبل 14 آذار. لم يفهم اللبنانيون من قادة 14 آذار لماذا هذا الموعد الهمايوني، ولم يقل لهم أحد ما هي الآليات ومن هم الشركاء وما هي القوة القانونية او الشعبية. لم يقل أحد إلا بأن الشعب حكم ولا بد من الصدوع لحكمه. يمكننا هنا ان نفكر بدون خبث بالمخيلة القذافية حيث الميغالومانيا والايديولوجيا الجماهيرية. هنا يمكن القفز بسهولة من الامتناع عن الحكم الى الثورة المباشرة. لا بد ان صورة شيفارنادزه هارباً من الجمهور الذي اقتحم البرلمان حضرت، لكن أمراً كهذا لا يوضع له موعد، ولا يوعز للآخرين بأن يحتاطوا له، ناهيك عن ان أموراً دونه لم تعالج رغم اقتضائها جرأة أقل. قد لا تكون الثورة البيضاء في هذه الحال سوى اليوتوبيا المقابلة لعجز مقيم.

لا بد أن هذا ما حرض العماد عون على ان يتكلم على إنقلاب حكومي، العماد عون، كما اثبت غير مرة، قادر على التنظير وذو مخيلة. لكن العماد الميال الى دروس في الحكم يقع احياناً غير قليلة في مقارنات مبسطة. انه منذ انتهت الانتخابات يلعب على نحو مريح دور المعارضة في ديموقراطية عريقة، دور مريح لأن ما يفعله هو العيش على اخطاء الآخرين وهي كثيرة. انها لعبة الحكومة والمعارضة لكن ما يفوته هو ان ثمة أطرافاً اخرى كثيرة ليست في هذه اللعبة: سوريا، حزب الله، القواعد الفلسطينية والمخيمات الفلسطينية، العماد لحود. تبسيطاً يكتفي الجنرال عون بإلغاء التبعة على الحكومة، هكذا لا يصطدم بأحد. لكن السجال بين حكومة تمانع في ان تحكم، ومعارضة تكتفي بمواجهتها سجال ضيق ومحصور وأحياناً شكلي وسطحي. حمل العماد عون حكومة تبعة الاغتيالات مثلاً لمجرد انها حكومة وعليها ان تحمي وان تجد الفاعل. الأمر الذي يبدو في الشكل صحيحاً، لكن المسألة كما هو واضح تستهدف الدولة، لا الحكومة فحسب، والاستقلال والسلم الأهلي والمجتمع كله، وهذه أمور لا يمكن الاكتفاء بتسليمها للحكومة، وفي اعتى الديموقراطيات تطلب حكومة مشتركة او تضامناً اجتماعياً. لا نلقي دروساً على العماد المولع بالمقارنات لكن هذا ما حدث في اميركا بعد 11 ايلول وفي بريطانيا بعد الاعتداءات وفي فرنسا مراراً. حين يتكلم العماد عن انقلاب مثلاً فهذا صحيح إذا كانت المقارنة البسيطة مادته، لكن اي انقلاب دستوري تقوم به حكومة لا تحكم او تتردد في أن تحكم أساساً. ولا يسهل لها العماد ان يحكم ويريد حصرها مثلا في نقطة التوافق. أكان العماد يرضى بهذا المبدأ لو كان هو الحاكم.

حزب الله يتكلم ايضا عن حرب اهلية، ذلك جزء من سجال تكاد آلية <<الاسقاط>> ان تكون عموده الاساسي، يطرح حزب الله بشكل منتظم على خصومه تقريبا كل ما هو مرمي به. الحرب الاهلية تخيف على لسان قادته ولو من باب التحذير واتهام الغير لأنه الوحيد الذي يملك عدتها، ثم ان الكلام عن الوصاية وتقديم المصلحة اللبنانية والسلم الأهلي والوحدة الوطنية وبناء الدولة يجعلنا في المجال نفسه، فهذه جميعها منظومة التهم الموجهة الى الحزب. من الوصاية الايرانية السورية، الى الالتحاق بثورة ومشروع يتعدى الحدود، الى تهديد السلم الاهلي بجيش خاص، والوحدة الوطنية بانفراد امني واقتصادي وعسكري، وبناء الدولة بدولة داخل الدولة.

من حملة ازاحة اميل لحود التي اكل الزمن تقريبا ثلث المدة المعطاة لها سابقا بدون اي تحرك فاعل، الى ردود العماد عون وحزب الله نفسهم اننا لم ندخل عمليا في اي مبادرة فعلية. ما انجز هو تقريبا تحديد تدريجي للخلافات، والارجح انه انجاز فعلي. حين ترتسم هذه بوضوح لا يعود ممكنا التواجد خارجها او فيما بينها، انها استراتيجية الى الحد الذي لا يسمح في النهاية بذلك. ما دمنا لم نبدأ فإن اللعب ممكن، يمكن لقوى 14 آذار ان تقترح ثورة على نفسها ويمكن للعماد عون ان يكتفي بشطرنج الحكومة والمعارضة، ولحزب الله ان يقلب السجال بآلية بحت منطقية على خصومه. تبقى المسألة هنا ما دمنا لا نبدأ او نمتنع عن البدء، ما دمنا لا نزال على الحدود، وكل المشاكل تجرى تسميتها فحسب في عمل شبه أرشيفي. حين توجد مبادرة ما من أي موضع ومن اي جهة، فالمهم ان نبادر وان نخطو. حين توجد خطوات حازمة فهي وحدها القادرة على استقطاب آخر للصراع، وعلى ايجاد معادل سياسي وشعبي ايضا للمواقف.

24 فبراير 2006